فوائد مهمة :
1- من سمع الآذان فأفطر ثم تبين له أن الشمس لم تغرب ، فعليه القضاء لتساهله في تحري الغروب . ويحدث هذا كثيراً عندما يسمع الصائم صوت المذياع أو التلفاز أو خطأ أحد المؤذنين في الأذان ، أو تلاعب الأطفال بمكبرات الصوت الخاصة بالمساجد ، أو تقليدهم للأذان ، فكل ذلك وغيره قد يجعل الصائم يستعجل في الإفطار مما يوقعه في حرج بعد ذلك من حيث القضاء والإثم ، لأنه لم يتحقق من غروب الشمس وإنما اعتمد على غيره في ذلك ، وهذه خطأ فلابد للصائم أن يتحقق من غروب الشمس حتى يفطر على بينة ، وصحيح إذا كان المؤذن يؤذن على الوقت بعد تحري الغروب ، وعُرفت عدالته وصدقه وتحريه الوقت ، فيجوز للناس الصوم والفطر بأذانه ، لكن لو تبين خطؤه وأذن قبل الوقت لزم الجميع القضاء .
2- إذا قامت البينة في دخول شهر رمضان أثناء النهار مثل أن يكون الذي رآه في مكان بعيد وحضر إلى القاضي في النهار وشهد برؤية الهلال وجب على الناس الإمساك والقضاء براءة للذمة أما دليل الإمساك فهو حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال : " أمر النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً من أسلم أن أذن في الناس أن من أكل فليصم بقية يومه ، ومن لم يكن أكل فليصم فإن اليوم يوم عاشوراء " [ أخرجه البخاري ومسلم ].
وأما القضاء فإنه يلزم ، لأن من شرط صيام الفرض أن ينوي قبل الفجر ، لأنه إذا لم ينو في أثناء اليوم صار الصائم صائماً نصف اليوم ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إنما الأعمال بالنيات " [ متفق عليه ] .
فمن صام نصف اليوم لا يجزئه ذلك وعليه القضاء لهذه العلة ، وأيضاً كون الإنسان يقضي يوماً ويبرئ ذمته عن يقين خيراً من كونه يأخذ بأي قول آخر يخالف ذلك.
3- الحائض والنفساء إذا طهرتا أثناء النهار وجب عليهما القضاء ولا يجب عليهما الإمساك ذلك اليوم لأنهما ليستا من أهل الوجوب في ذلك اليوم ولعدم توفر النية من أول النهار ، ولأن ذلك اليوم غير محترم في حقهما ، ومعلوم أنه لا يصح منهما الصيام ولا يجب ، فإن صامتا فسد صيام ذلك اليوم ، واستحقتا الإثم بذلك لأنهما ارتكبتا أمراً محرماً وهو الصوم أثناء الحيض والنفاس .
4- المسافر إذا قدم إلى بلده نهاراً ، يلزمه القضاء دون الإمساك ، لأنه لم ينوي الصوم من أول النهار ولو نوى الصوم قبل الفجر ثم وصل إلى بلده فصيامه صحيح .
5- إذا برئ المريض وهو مفطر أثناء النهار وجب عليه القضاء دون الإمساك .
شروط وجوب الصوم :
ومعنى ذلك : أي اشتغال الذمة بالواجب ، وهي شروط افتراضه والخطاب به وهي :
1_ الإسلام :
فلا يجب الصوم على الكافر ، ولا يُطالب به في دار الدنيا ، لأنه فرع عن دخوله في الإسلام وما دام غير داخل في الإسلام ، فلا معنى لصيامه ولا معنى أيضاً لمطالبته بالصوم ، وهذا في الدنيا ، ولا يُطالب بقضائه بعد إسلامه .
ودليل ذلك قوله تعالى : { وما منعهم أن تقبل نفقاتهم إلاّ انهم كفروا بالله وبرسوله ولا يأتون الصلاة إلاّ وهم كُسالى ولا ينفقون إلاّ وهم كارهون } [ التوبة 54 ] .
فالعبادات الخاصة من باب أولى .
أماّ كونه لا يقضي إذا أسلم ، فهذا مستند على قوله تعالى : { قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف } [ الأنفال 38 ] .
أماّ إذا استمر الكافر على كفره وعناده فإنه يعاقب على جميع فروع الدين وأصوله ، وأدلة ذلك كثيرة منها قوله تعالى : { ولوا أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون " [ الأنعام 88 ] .
وقوله تعالى : { ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين } [ سبقت ] .
وقوله تعالى : { وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباءً منثوراً } [ الفرقان 23 ].
أماّ إذا أسلم وتاب وعاد إلى الإسلام بعد الكفر فإن الله يغفر الذنوب جميعاً .
قال تعالى : { قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف } [ الأنفال 38 ] .
قال محمد رشيد رضا في تفسيره لهذه الآية : إن ينتهوا من عداوتهم للرسول صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين ويدخلوا في الإسلام فإن الله يغفر لهم ما سلف من ذنوبهم ولا يعاقبهم في الآخرة على شيءٍ من ذلك الذي سلف قبل الإسلام . [ تفسير المنار 9 / 554 ] .
وقال صلى الله عليه وسلم : " الإسلام يهدم ما كان قبله " [ رواه مسلم ] .
وفي قصة عمرو بن ثابت بن وقش الملقب بالأُصيرم عندما أعلن للجهاد في غزوة أُحد أعلن إسلامه للتو ثم قاتل حتى قُتل ولم يسجد لله سجدة ، ولماّ سُئل عنه النبي صلى الله عليه وسلم قال : " هو من أهل الجنة " [ سيرة ابن هشام ] .
فدلّ ذلك على أن الكافر إذا أسلم وحسُن إسلامه فإنه يغفر له ما سلف من الذنوب والآثام ولا يعاقب على شيء من ذلك في الآخرة ، والعلم عند الله تعالى .
2_ العقل :
فالعقل مناط التكليف إذ لا فائدة من توجه الخطاب بدونه .
والعقل ضده الجنون ، فلا يجب الصوم على المجنون ، إلا إذا كان متعمداً لذهاب عقله بشرابٍ أو غيره ، فيلزمه القضاء بعد الإفاقة ، ويدخل في معنى المجنون : المعتوه الذي لا يعقل والمهذري أي المخرف .
المقصود : أن كل من ليس له عقل بأي وصف من الأوصاف فإنه ليس بمكلّف ، وليس عليه واجب من واجبات الدين ، لا صلاة ولا صيام ولا إطعام ، بل لا يجب عليه شيء إطلاقاً ، لفقد الأهلية في العقل ، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم : " رُفع القلم عن ثلاثة : عن النائم حتى يستيقظ ، وعن الصبي حتى يحتلم ، وعن المجنون حتى يعقل " [ رواه الإمام أحمد وأبو داود والحاكم وهو حديث صحيح ] .
قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله : " فإن كان يُجن أحياناً ويفيق أحياناً لزمه الصيام حال إفاقته لا حال جنونه ، وإن جُن في أثناء النهار لم يبطل صومه ، لأنه نوى الصوم وهو عاقل بنية صحيحة ولا دليل على البطلان ، خصوصاً إذا كان معلوماً أن الجنون ينتابه في ساعات معينة ، وعلى هذا فلا يلزم قضاء اليوم الذي حصل فيه الجنون ، وإذا أفاق المجنون أثناء النهار لزمه الإمساك بقية يومه ، لأنه صار من أهل الوجوب ، ولا يلزمه القضاء كالصبي إذا بلغ ، والكافر إذا أسلم .
والهرم الذي بلغ الهذيان وسقط تمييزه لا يجب عليه الصيام ولا الإطعام ، لسقوط التكليف عنه بزوال تمييزه ، فأشبه الصبي قبل التمييز ، فإن كان يُميز أحياناً ويُهذي أحياناً ، وجب عليه الصوم في حال تمييزه دون حال هذيانه " [ مجالس شهر رمضان 28 ] .
3_ البلوغ :
هذا هو الشرط الثالث من شروط وجوب الصوم ، وبما أن الغرض من التكليف هو الامتثال ، فلا يكون الامتثال إلاّ بالبلوغ أي النضوج ، وذلك بالإدراك والقدرة على الفعل ، ومعلوم أن الصِغر والطفولة عجز ، فالصغير لا يُطالب بالتكاليف حتى يبلغ ويحتلم ، ويحصل البلوغ بواحدٍ من ثلاثة بالنسبة للذكر وهي :
إكمال خمسة عشر عاماً ، أو إنبات شعر العانة ، أو إنزال المني بشهوة .
وتزيد الأنثى أمراً رابعاً وهو الحيض ، فمتى حاضت الفتاة فقد بلغت وأنيطت بها التكاليف وجرى عليها القلم ، ولو لم تبلغ خمس عشرة سنة .
فمن رأى إحدى تلك العلامات السابقة فقد بلغ وطُولب بالأحكام الشرعية وأصبح مكلفاً ، ودليل ذلك الحديث السابق الذي فيه : " رُفع القلم عن ثلاثة : .. وعن الصبي حتى يحتلم " .
ويُستحب لوليّ الصغير إذا بلغ سبعاً فأكثر من الذكور أو الإناث أن يأمره بالصوم ليعتاده ويطيقه وينشأ عليه ، فيأمره بالصوم إذا بلغ سبع سنين ، ويضربه على ذلك إذا بلغ عشر سنين على أن يكون ضرباً سهلا ، مثل الصلاة .
فشبه الصيام بالصلاة من حيث الأمر بها ، لقوله صلى الله عليه وسلم : " مروا أبناءكم بالصلاة لسبع ، واضربوهم عليها لعشر .. " [ رواه أحمد وأبو داود وصححه الحاكم ووافقه الذهبي وصححه أحمد شاكر وحسن إسناده شعيب الأرنؤوط في تحقيقه للمسند ] .
ولقد كان الصحابة رضوان الله عليهم يلهون صبيانهم أثناء الصوم ويُنَشِئونهم عليه وهكذا كان دأب السلف الصالح رضوان الله عليهم أجمعين .
4_ القدرة :
وهذا هو الشرط الرابع ، فلا يجب الصوم على المريض العاجز عنه لمرض يُرجى زواله أو لا يُرجى زواله ، فإن كان المرض يُرجى زواله أفطر صاحبه وقضى بعد زوال العلّة ، وإن كان لا يُرجى زوال المرض أفطر وأطعم عن كل يوم مسكيناً .
ودليل ذلك قوله تعالى : { وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين } [ البقرة 184 ].
قال ابن عباس رضي الله عنهما : " ليست بمنسوخة هي للكبير الذي لا يستطيع الصوم " [ رواه البخاري ] .
وقولـه تعالى : { فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أُخر } [ البقرة 185 ] .
5_ الإقامة :
فلا يجب الصوم على المسافر بل له الفطر ، ويقضي بعد ذلك حال الإقامة ، لقوله تعالى : { فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدةٌ من أيام أُخر } ، وقوله صلى الله عليه وسلم : " ليس من البر الصوم في السفر" [ رواه البخاري ومسلم ] .
شروط صحة الصوم :
كما أن للصوم شروط وجوب ، فكذلك له شروط صحة إذا اختل واحد منها لم يصح الصوم وهذه الشروط هي :
1- الإسلام :
وهو شرط عام للخطاب بفروع الشريعة وهو شرط صحة وشرط وجوب . فلو صام الكافر لما صح منه ، ولو أسلم في أثناء الشهر لم يلزمه قضاء الأيام السابقة والقضاء اليوم الذي أسلم فيه .
2- العقل :
فلا يصح الصوم من المجنون والمغمى عليه دائماً لأن الصوم : الإمساك مع النية ، لقوله تعالى في الحديث القدسي : " يدع طعامه وشرابه من أجلي " [ متفق عليه ] فأضاف الترك إلى الصائم لأنه يعقل ويفهم الخطاب ، أما المجنون والمغمى عليه فلا يُضاف إليه الترك لأنه فاقد للعقل إما فقداً كلياً أو جزئياً . لكن لو نوى العاقل الصوم ليلاً ، ثم جن أو أغمي عليه جميع النهار فصومه غير صحيح ، لأنه الصوم الإمساك مع النية وهما ركنا الصوم ، ولم يوجد الإمساك المضاف إليه ، فلم تعتبر النية منفردة .
وإن أفاق المجنون أو المغمى عليه أثناء النهار أو جزءاً منه صح صومه لوجود الإمساك من جزء من النهار .
أما النائم طوال النهار فصومه صحيح لوجود الإمساك والنية ، لأنه متى أوقظ استيقظ والنوم في العادة لا يزيل الإحساس بالكلية فمتى نبه أنتبه ، أما الإغماء فهو عارض يزيل العقل ، ومتى أفاق المغمى عليه في أول النهار أو آخره صح صومه ، لأن النية قد حصلت من الليل ، فيستغنى عن ذكرها في النهار .
[ المغني 4/ 343 – 344، والفقه الحنبلي الميسر 2 / 11 ] والمقصود في الإغماء : أن المغمى عليه بعض الوقت ، كأن يكون الإغماء يوماً أو جزءاً من النهار فيجب عليه الصوم . وإذا كان الإغماء يوماً أو يومين أو ثلاثة على الأكثر فلا بأس بالقضاء احتياطاً ، وإذا زاد على ذلك فلا قضاء عليه لأنه أشبه المعتوه . [ مجموع فتاوى ومقالات لابن باز 15 / 210] .
3- التمييز :
المميز من تم له سبع سنين ، وقيل هو من فهم الخطاب ورد الجواب .
فصيام غير المميز غير صحيح لفقدان النية فإذا بلغ الطفل سبع سنين وجب على وليه أمره بالصوم ، وضربه عليه إذا بلغ عشراً حتى يعتاده ، قياساً على الصلاة .
وبما أن الصوم قد يكون أشق من الصلاة فاعتبر له الطاقة ، فإن أطاق الطفل الصيام أمر به ، وضرب عليه . وإلا عود عليه جزءاً من النهار ثم يفطر وهكذا حتى يستطيع صيام يوم كامل .
4- انقطاع دم الحيض والنفاس :
إذا ظهر دم الحيض أو النفاس على المرأة أثناء النهار فسد الصوم ولم يصح ، لأن الدمان من أسباب الفطر في الصوم ، فعلى الحائض والنفساء إذا أتاهما الدم في نهار رمضان أو غيره من الصيام أن تفطرا وتقضيان بعد ذلك ، فعن أبي سعيد رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم ؟ . . . " [ رواه البخاري ومسلم ] . فالحديث يدل على عدم صحة الصوم والصلاة أثناء الحيض والنفاس ، بل ولا يجوز لهما الصوم والصلاة عند ظهور الدم ـ دم الحيض والنفاس ـ وعليهما قضاء الصيام دون الصلاة ، لأن الصلاة تكرر كل يوم وليلة خمس مرات وقد يطول زمن الحيض والنفاس فتحصل مشقة عظيمة في قضاء الصلاة ، أما الصوم فإنه يتكرر مرة واحدة في السنة فيسهل القضاء ، وهذا من رحمة الله تعالى وتيسيره على الحائض والنفساء ، وهذا ما علل به بعض العلماء ، والصحيح في ذلك أن عليهما الفطر حال الصيام ، وقضاء الصوم دون الصلاة ، اتباعاً لأمر النبي صلى الله عليه وسلم ، سواءً عُلمت الحكمة أم لم تُعلم ، فعن معاذة قالت : سألت عائشة فقلت : ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة ؟ فقالت : أحرورية أنت ؟ قلت : لست بحرورية !
، ولكني أسأل ، قالت : كان يصيبنا ذلك ، فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة " [ أخرجه البخاري ومسلم ] .
ومعنى حرورية : هم فرقة من الخوارج ، الذين سكنوا حروراء بالقرب من الكوفة ، وهم يرون أن الحائض تقضي الصلاة التي فاتتها زمن حيضها بعد الطهر ، وقد جرت عادة الخوارج باعتراض السنن بآرائهم وأقيستهم الفاسدة .
فالدين ليس بالرأي ولكن ما جاء في الكتاب الكريم والسنة الصحيحة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال أبو الزناد : إن السنن ووجوه الحق التأني كثيراً على خلاف الرأي ، فما يجد المسلمون بداً من اتباعها ، فمن ذلك : أن الحائض تقضي الصيام ولا تقضي الصلاة .
تنبيه :
بعض من يأتيهن دم الحيض والنفاس قد يتركن قضاء الأيام التي أفطرنها من رمضان ظناً منهن أنه لا قضاء في الصلاة ولا في الصوم ، ولا شك أنها هذا جهل عظيم ، وخطر كبير على دين المسلمة فالحائض والنفساء إذا أفطرنا في رمضان أو في صوم واجب كنذر وكفارة وجب عليهما القضاء بعدد الأيام التي أفطرنها ، وعليهن أن يبادرن بالقضاء بعد انقضاء رمضان أو زوال العذر الشرعي براءة للذمة .
وبعض الفتيات قد يأتيهن دم الحيض لأول مرة فتصوم الواحدة وتصلى حياءً وخجلاً ، هذا بلا ريب فعل محرم ، إذ لا يجوز للمرأة أن تصلي أو تصوم أثناء وجود دم الحيض والنفاس ومن فعلت ذلك فعليها التوبة والاستغفار والندم على ما فعلت ، وعليها قضاء الأيام التي صامتها أثناء دم الحيض أو النفاس .
والإنسان لا يُعذر بالجهل بالحكم في مثل هذه المسائل ، لأنه يجب عليه بالضرورة أن يتعلمها حتى يسلم له دينه ويكون موافقاً للكتاب والسنة .
وهناك بعض الأحكام الخاصة بدم الحيض والنفاس والاستحاضة أعرضها سريعاً ، لما لها من فائدة مرجوة الثمرة عند الله تعالى فمن تلك الأحكام :
أولاً : دم الحيض :
إذا طهرت الحائض قبل طلوع الفجر بيقين صادق فصومها صحيح ، وعليها أن تغتسل ولا تؤخر الغسل حتى تطلع الشمس ، بل تبادر بالغسل متى تأكدت وتيقنت من الطهر حتى لا يخرج عليها وقت صلاة الصبح . ولو أخرت الغسل بعد طلوع الفجر زيادة في اليقين فلا بأس بذلك ، لكن لا يكون التأخير حتى تطلع الشمس . وكذا الجنب عليه أن يبادر بالاغتسال قبل طلوع الشمس ولا بأس بالتأخير قبل طلوع الفجر وبعده لحديث عائشة رضي الله عنها قالت : " كان النبي صلى الله عليه وسلم يدركه الفجر في رمضان من غير حُلمُ ، فيغتسل ويصوم " [ رواه البخاري ومسلم ] .
وإذا حاضت المرأة بعد غروب الشمس المتيقن فلا قضاء عليها ذلك اليوم ، لأنه صيام صحيح لا شُبهة فيه ، ولو كان خروج الدم قبل الصلاة ـ صلاة المغرب ـ فالصوم صحيح لأنه العبرة بغروب الشمس ، ولا عبرة أيضاً بما تشعر به المرأة من آثار ودلائل وبوادر الحيض من وجع وألم فلو أحست بأعراض الحيض قبل الغروب ولم يخرج منها دم فصومها صحيح .
ومن طهرت أثناء النهار فعليها قضاء ذلك اليوم ، وليس لها أن تمسك ، بل لها أن تفطر سائر اليوم الذي طهرت فيه ، لأن النهار في حقها غير محترم ، ويجوز لها الفطر في أول النهار وفي آخره ، ومجرد الإمساك لا فائدة منه ولا دليل عليه ، ولان الفطر حصل لها بعذر شرعي ومعلوم أن الله تعالى بحكمته البالغة ورحمته لم يوجب على عباده صيام نصف يوم ، قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : " من أكل أول النهار فليأكل آخره " [ أخرجه البيهقي ] .
أما من قال : إذا طهرت الحائض أو النفساء أثناء النهار فعليها مع القضاء أن تمسك ذلك اليوم فهذا القول مرجوح ، وحجتهم في ذلك ، احترام الزمن ، وهذا غير مسلم به ، لأن حرمة الزمن زالت بالإفطار من أول النهار .
ثانياً : دم الاستحاضة :
قد يخرج من المرأة بعض المواد السائلة أو الدم المنفصل عن الدورة الشهرية ، وهذا ما يسمى بدم الاستحاضة ، وأما المواد الأخرى فهي شبيهة بالبول ، فيجب الوضوء منها ولا تمنع الصلاة ولا الصيام ، أما دم الاستحاضة فحكم المرأة فيه كحكم الطاهرات مثل التي قبلها ، فهي أيضاً تصلى وتصوم وعليها أن تتحفظ من الدم بشيء يمنع سقوط الدم على الأرض أو الملابس وعليهما ـ المستحاضة ومن ترى المواد السائلة ـ الوضوء لكل وقت صلاة إذا كان الدم والمادة السائلة متصلة الخروج دون انقطاع لأنهما في حكم صاحب الحدث الدائم . وعموماً فالاستحاضة لا تؤثر على صحة الصوم .
ثالثاً : دم النفاس :
أقل النفاس يوم وليلة ، وأكثره أربعون يوماً ، فإذا طهرت النفساء قبل الأربعين وجب عليها الصوم والصلاة والاغتسال قبل ذلك ، فإن عاد عليها الدم في الأربعين فهو دم نفاس ، فتمتنع عن الصلاة وعن الصيام ، فإذا انتهت الأربعين وبقي معها الدم ، فإما أن يكون هذا الدم موافق لأيام حيضها فيعتبر حيضاً ، وإلا فهو دم فساد وهو ما يسمى بالاستحاضة ومتى طهرت النفساء أثناء الأربعين ، اغتسلت وصلت وصامت وصح منها ذلك ، ومتى عاد عليها الدم توقفت عن الصلاة والصيام ، ولا تقضي الأيام التي صامتها أثناء طهارتها وقت الأربعين ويحرم على زوجها وطؤها أثناء وجود دم الحيض والنفاس . وإذا طهرت النفساء أثناء الأربعين واغتسلت جاز لزوجها جماعها ومن كره ذلك فلا دليل لديه ، وإنما هي كراهة تنزيه .
حبوب منع خروج دم الحيض والنفاس :
هذه الحبوب سببت للنساء أمراضاً ظاهرية وباطنية ، وسببت لهن عدم انتظام في دم الحيض ، مما تسبب معه كثرة الأسئلة والاستفسارات حول هذه المواضيع المهمة والتي تتعلق بأداء الصلاة والصيام ، وكما بين كثير من الأطباء ضررها على المرأة ، وكما هو معلوم أن دم الحيض دم جبلة خلقه الله تعالى لتغذية الطفل ، وهذا أمر قد كتبه الله تعالى على بنات آدم لما فيه من مصلحة لهن ، فعلى المسلمة أن تذعن وتستسلم لأمر ربها سبحانه ولا ترهق نفسها وتوردها المهالك من أجل أن تصوم مع الناس فمتى وجد الدم تركت الصلاة والصيام ، وقضت الصيام دون الصلاة ، ومتى انقطع الدم اغتسلت وأصبحت طاهرة تصوم وتصلى وتحل لزوجها .
المقصود . . . أن من تُسبب لها تلك الحبوب ضرراً ، فلا ينبغي لها أن تستخدمها أبداً ، ومن لم تتضرر بها فلا بأس باستخدامها . والله أعلم .
1- من سمع الآذان فأفطر ثم تبين له أن الشمس لم تغرب ، فعليه القضاء لتساهله في تحري الغروب . ويحدث هذا كثيراً عندما يسمع الصائم صوت المذياع أو التلفاز أو خطأ أحد المؤذنين في الأذان ، أو تلاعب الأطفال بمكبرات الصوت الخاصة بالمساجد ، أو تقليدهم للأذان ، فكل ذلك وغيره قد يجعل الصائم يستعجل في الإفطار مما يوقعه في حرج بعد ذلك من حيث القضاء والإثم ، لأنه لم يتحقق من غروب الشمس وإنما اعتمد على غيره في ذلك ، وهذه خطأ فلابد للصائم أن يتحقق من غروب الشمس حتى يفطر على بينة ، وصحيح إذا كان المؤذن يؤذن على الوقت بعد تحري الغروب ، وعُرفت عدالته وصدقه وتحريه الوقت ، فيجوز للناس الصوم والفطر بأذانه ، لكن لو تبين خطؤه وأذن قبل الوقت لزم الجميع القضاء .
2- إذا قامت البينة في دخول شهر رمضان أثناء النهار مثل أن يكون الذي رآه في مكان بعيد وحضر إلى القاضي في النهار وشهد برؤية الهلال وجب على الناس الإمساك والقضاء براءة للذمة أما دليل الإمساك فهو حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال : " أمر النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً من أسلم أن أذن في الناس أن من أكل فليصم بقية يومه ، ومن لم يكن أكل فليصم فإن اليوم يوم عاشوراء " [ أخرجه البخاري ومسلم ].
وأما القضاء فإنه يلزم ، لأن من شرط صيام الفرض أن ينوي قبل الفجر ، لأنه إذا لم ينو في أثناء اليوم صار الصائم صائماً نصف اليوم ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إنما الأعمال بالنيات " [ متفق عليه ] .
فمن صام نصف اليوم لا يجزئه ذلك وعليه القضاء لهذه العلة ، وأيضاً كون الإنسان يقضي يوماً ويبرئ ذمته عن يقين خيراً من كونه يأخذ بأي قول آخر يخالف ذلك.
3- الحائض والنفساء إذا طهرتا أثناء النهار وجب عليهما القضاء ولا يجب عليهما الإمساك ذلك اليوم لأنهما ليستا من أهل الوجوب في ذلك اليوم ولعدم توفر النية من أول النهار ، ولأن ذلك اليوم غير محترم في حقهما ، ومعلوم أنه لا يصح منهما الصيام ولا يجب ، فإن صامتا فسد صيام ذلك اليوم ، واستحقتا الإثم بذلك لأنهما ارتكبتا أمراً محرماً وهو الصوم أثناء الحيض والنفاس .
4- المسافر إذا قدم إلى بلده نهاراً ، يلزمه القضاء دون الإمساك ، لأنه لم ينوي الصوم من أول النهار ولو نوى الصوم قبل الفجر ثم وصل إلى بلده فصيامه صحيح .
5- إذا برئ المريض وهو مفطر أثناء النهار وجب عليه القضاء دون الإمساك .
شروط وجوب الصوم :
ومعنى ذلك : أي اشتغال الذمة بالواجب ، وهي شروط افتراضه والخطاب به وهي :
1_ الإسلام :
فلا يجب الصوم على الكافر ، ولا يُطالب به في دار الدنيا ، لأنه فرع عن دخوله في الإسلام وما دام غير داخل في الإسلام ، فلا معنى لصيامه ولا معنى أيضاً لمطالبته بالصوم ، وهذا في الدنيا ، ولا يُطالب بقضائه بعد إسلامه .
ودليل ذلك قوله تعالى : { وما منعهم أن تقبل نفقاتهم إلاّ انهم كفروا بالله وبرسوله ولا يأتون الصلاة إلاّ وهم كُسالى ولا ينفقون إلاّ وهم كارهون } [ التوبة 54 ] .
فالعبادات الخاصة من باب أولى .
أماّ كونه لا يقضي إذا أسلم ، فهذا مستند على قوله تعالى : { قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف } [ الأنفال 38 ] .
أماّ إذا استمر الكافر على كفره وعناده فإنه يعاقب على جميع فروع الدين وأصوله ، وأدلة ذلك كثيرة منها قوله تعالى : { ولوا أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون " [ الأنعام 88 ] .
وقوله تعالى : { ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين } [ سبقت ] .
وقوله تعالى : { وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباءً منثوراً } [ الفرقان 23 ].
أماّ إذا أسلم وتاب وعاد إلى الإسلام بعد الكفر فإن الله يغفر الذنوب جميعاً .
قال تعالى : { قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف } [ الأنفال 38 ] .
قال محمد رشيد رضا في تفسيره لهذه الآية : إن ينتهوا من عداوتهم للرسول صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين ويدخلوا في الإسلام فإن الله يغفر لهم ما سلف من ذنوبهم ولا يعاقبهم في الآخرة على شيءٍ من ذلك الذي سلف قبل الإسلام . [ تفسير المنار 9 / 554 ] .
وقال صلى الله عليه وسلم : " الإسلام يهدم ما كان قبله " [ رواه مسلم ] .
وفي قصة عمرو بن ثابت بن وقش الملقب بالأُصيرم عندما أعلن للجهاد في غزوة أُحد أعلن إسلامه للتو ثم قاتل حتى قُتل ولم يسجد لله سجدة ، ولماّ سُئل عنه النبي صلى الله عليه وسلم قال : " هو من أهل الجنة " [ سيرة ابن هشام ] .
فدلّ ذلك على أن الكافر إذا أسلم وحسُن إسلامه فإنه يغفر له ما سلف من الذنوب والآثام ولا يعاقب على شيء من ذلك في الآخرة ، والعلم عند الله تعالى .
2_ العقل :
فالعقل مناط التكليف إذ لا فائدة من توجه الخطاب بدونه .
والعقل ضده الجنون ، فلا يجب الصوم على المجنون ، إلا إذا كان متعمداً لذهاب عقله بشرابٍ أو غيره ، فيلزمه القضاء بعد الإفاقة ، ويدخل في معنى المجنون : المعتوه الذي لا يعقل والمهذري أي المخرف .
المقصود : أن كل من ليس له عقل بأي وصف من الأوصاف فإنه ليس بمكلّف ، وليس عليه واجب من واجبات الدين ، لا صلاة ولا صيام ولا إطعام ، بل لا يجب عليه شيء إطلاقاً ، لفقد الأهلية في العقل ، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم : " رُفع القلم عن ثلاثة : عن النائم حتى يستيقظ ، وعن الصبي حتى يحتلم ، وعن المجنون حتى يعقل " [ رواه الإمام أحمد وأبو داود والحاكم وهو حديث صحيح ] .
قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله : " فإن كان يُجن أحياناً ويفيق أحياناً لزمه الصيام حال إفاقته لا حال جنونه ، وإن جُن في أثناء النهار لم يبطل صومه ، لأنه نوى الصوم وهو عاقل بنية صحيحة ولا دليل على البطلان ، خصوصاً إذا كان معلوماً أن الجنون ينتابه في ساعات معينة ، وعلى هذا فلا يلزم قضاء اليوم الذي حصل فيه الجنون ، وإذا أفاق المجنون أثناء النهار لزمه الإمساك بقية يومه ، لأنه صار من أهل الوجوب ، ولا يلزمه القضاء كالصبي إذا بلغ ، والكافر إذا أسلم .
والهرم الذي بلغ الهذيان وسقط تمييزه لا يجب عليه الصيام ولا الإطعام ، لسقوط التكليف عنه بزوال تمييزه ، فأشبه الصبي قبل التمييز ، فإن كان يُميز أحياناً ويُهذي أحياناً ، وجب عليه الصوم في حال تمييزه دون حال هذيانه " [ مجالس شهر رمضان 28 ] .
3_ البلوغ :
هذا هو الشرط الثالث من شروط وجوب الصوم ، وبما أن الغرض من التكليف هو الامتثال ، فلا يكون الامتثال إلاّ بالبلوغ أي النضوج ، وذلك بالإدراك والقدرة على الفعل ، ومعلوم أن الصِغر والطفولة عجز ، فالصغير لا يُطالب بالتكاليف حتى يبلغ ويحتلم ، ويحصل البلوغ بواحدٍ من ثلاثة بالنسبة للذكر وهي :
إكمال خمسة عشر عاماً ، أو إنبات شعر العانة ، أو إنزال المني بشهوة .
وتزيد الأنثى أمراً رابعاً وهو الحيض ، فمتى حاضت الفتاة فقد بلغت وأنيطت بها التكاليف وجرى عليها القلم ، ولو لم تبلغ خمس عشرة سنة .
فمن رأى إحدى تلك العلامات السابقة فقد بلغ وطُولب بالأحكام الشرعية وأصبح مكلفاً ، ودليل ذلك الحديث السابق الذي فيه : " رُفع القلم عن ثلاثة : .. وعن الصبي حتى يحتلم " .
ويُستحب لوليّ الصغير إذا بلغ سبعاً فأكثر من الذكور أو الإناث أن يأمره بالصوم ليعتاده ويطيقه وينشأ عليه ، فيأمره بالصوم إذا بلغ سبع سنين ، ويضربه على ذلك إذا بلغ عشر سنين على أن يكون ضرباً سهلا ، مثل الصلاة .
فشبه الصيام بالصلاة من حيث الأمر بها ، لقوله صلى الله عليه وسلم : " مروا أبناءكم بالصلاة لسبع ، واضربوهم عليها لعشر .. " [ رواه أحمد وأبو داود وصححه الحاكم ووافقه الذهبي وصححه أحمد شاكر وحسن إسناده شعيب الأرنؤوط في تحقيقه للمسند ] .
ولقد كان الصحابة رضوان الله عليهم يلهون صبيانهم أثناء الصوم ويُنَشِئونهم عليه وهكذا كان دأب السلف الصالح رضوان الله عليهم أجمعين .
4_ القدرة :
وهذا هو الشرط الرابع ، فلا يجب الصوم على المريض العاجز عنه لمرض يُرجى زواله أو لا يُرجى زواله ، فإن كان المرض يُرجى زواله أفطر صاحبه وقضى بعد زوال العلّة ، وإن كان لا يُرجى زوال المرض أفطر وأطعم عن كل يوم مسكيناً .
ودليل ذلك قوله تعالى : { وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين } [ البقرة 184 ].
قال ابن عباس رضي الله عنهما : " ليست بمنسوخة هي للكبير الذي لا يستطيع الصوم " [ رواه البخاري ] .
وقولـه تعالى : { فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أُخر } [ البقرة 185 ] .
5_ الإقامة :
فلا يجب الصوم على المسافر بل له الفطر ، ويقضي بعد ذلك حال الإقامة ، لقوله تعالى : { فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدةٌ من أيام أُخر } ، وقوله صلى الله عليه وسلم : " ليس من البر الصوم في السفر" [ رواه البخاري ومسلم ] .
شروط صحة الصوم :
كما أن للصوم شروط وجوب ، فكذلك له شروط صحة إذا اختل واحد منها لم يصح الصوم وهذه الشروط هي :
1- الإسلام :
وهو شرط عام للخطاب بفروع الشريعة وهو شرط صحة وشرط وجوب . فلو صام الكافر لما صح منه ، ولو أسلم في أثناء الشهر لم يلزمه قضاء الأيام السابقة والقضاء اليوم الذي أسلم فيه .
2- العقل :
فلا يصح الصوم من المجنون والمغمى عليه دائماً لأن الصوم : الإمساك مع النية ، لقوله تعالى في الحديث القدسي : " يدع طعامه وشرابه من أجلي " [ متفق عليه ] فأضاف الترك إلى الصائم لأنه يعقل ويفهم الخطاب ، أما المجنون والمغمى عليه فلا يُضاف إليه الترك لأنه فاقد للعقل إما فقداً كلياً أو جزئياً . لكن لو نوى العاقل الصوم ليلاً ، ثم جن أو أغمي عليه جميع النهار فصومه غير صحيح ، لأنه الصوم الإمساك مع النية وهما ركنا الصوم ، ولم يوجد الإمساك المضاف إليه ، فلم تعتبر النية منفردة .
وإن أفاق المجنون أو المغمى عليه أثناء النهار أو جزءاً منه صح صومه لوجود الإمساك من جزء من النهار .
أما النائم طوال النهار فصومه صحيح لوجود الإمساك والنية ، لأنه متى أوقظ استيقظ والنوم في العادة لا يزيل الإحساس بالكلية فمتى نبه أنتبه ، أما الإغماء فهو عارض يزيل العقل ، ومتى أفاق المغمى عليه في أول النهار أو آخره صح صومه ، لأن النية قد حصلت من الليل ، فيستغنى عن ذكرها في النهار .
[ المغني 4/ 343 – 344، والفقه الحنبلي الميسر 2 / 11 ] والمقصود في الإغماء : أن المغمى عليه بعض الوقت ، كأن يكون الإغماء يوماً أو جزءاً من النهار فيجب عليه الصوم . وإذا كان الإغماء يوماً أو يومين أو ثلاثة على الأكثر فلا بأس بالقضاء احتياطاً ، وإذا زاد على ذلك فلا قضاء عليه لأنه أشبه المعتوه . [ مجموع فتاوى ومقالات لابن باز 15 / 210] .
3- التمييز :
المميز من تم له سبع سنين ، وقيل هو من فهم الخطاب ورد الجواب .
فصيام غير المميز غير صحيح لفقدان النية فإذا بلغ الطفل سبع سنين وجب على وليه أمره بالصوم ، وضربه عليه إذا بلغ عشراً حتى يعتاده ، قياساً على الصلاة .
وبما أن الصوم قد يكون أشق من الصلاة فاعتبر له الطاقة ، فإن أطاق الطفل الصيام أمر به ، وضرب عليه . وإلا عود عليه جزءاً من النهار ثم يفطر وهكذا حتى يستطيع صيام يوم كامل .
4- انقطاع دم الحيض والنفاس :
إذا ظهر دم الحيض أو النفاس على المرأة أثناء النهار فسد الصوم ولم يصح ، لأن الدمان من أسباب الفطر في الصوم ، فعلى الحائض والنفساء إذا أتاهما الدم في نهار رمضان أو غيره من الصيام أن تفطرا وتقضيان بعد ذلك ، فعن أبي سعيد رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم ؟ . . . " [ رواه البخاري ومسلم ] . فالحديث يدل على عدم صحة الصوم والصلاة أثناء الحيض والنفاس ، بل ولا يجوز لهما الصوم والصلاة عند ظهور الدم ـ دم الحيض والنفاس ـ وعليهما قضاء الصيام دون الصلاة ، لأن الصلاة تكرر كل يوم وليلة خمس مرات وقد يطول زمن الحيض والنفاس فتحصل مشقة عظيمة في قضاء الصلاة ، أما الصوم فإنه يتكرر مرة واحدة في السنة فيسهل القضاء ، وهذا من رحمة الله تعالى وتيسيره على الحائض والنفساء ، وهذا ما علل به بعض العلماء ، والصحيح في ذلك أن عليهما الفطر حال الصيام ، وقضاء الصوم دون الصلاة ، اتباعاً لأمر النبي صلى الله عليه وسلم ، سواءً عُلمت الحكمة أم لم تُعلم ، فعن معاذة قالت : سألت عائشة فقلت : ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة ؟ فقالت : أحرورية أنت ؟ قلت : لست بحرورية !
، ولكني أسأل ، قالت : كان يصيبنا ذلك ، فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة " [ أخرجه البخاري ومسلم ] .
ومعنى حرورية : هم فرقة من الخوارج ، الذين سكنوا حروراء بالقرب من الكوفة ، وهم يرون أن الحائض تقضي الصلاة التي فاتتها زمن حيضها بعد الطهر ، وقد جرت عادة الخوارج باعتراض السنن بآرائهم وأقيستهم الفاسدة .
فالدين ليس بالرأي ولكن ما جاء في الكتاب الكريم والسنة الصحيحة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال أبو الزناد : إن السنن ووجوه الحق التأني كثيراً على خلاف الرأي ، فما يجد المسلمون بداً من اتباعها ، فمن ذلك : أن الحائض تقضي الصيام ولا تقضي الصلاة .
تنبيه :
بعض من يأتيهن دم الحيض والنفاس قد يتركن قضاء الأيام التي أفطرنها من رمضان ظناً منهن أنه لا قضاء في الصلاة ولا في الصوم ، ولا شك أنها هذا جهل عظيم ، وخطر كبير على دين المسلمة فالحائض والنفساء إذا أفطرنا في رمضان أو في صوم واجب كنذر وكفارة وجب عليهما القضاء بعدد الأيام التي أفطرنها ، وعليهن أن يبادرن بالقضاء بعد انقضاء رمضان أو زوال العذر الشرعي براءة للذمة .
وبعض الفتيات قد يأتيهن دم الحيض لأول مرة فتصوم الواحدة وتصلى حياءً وخجلاً ، هذا بلا ريب فعل محرم ، إذ لا يجوز للمرأة أن تصلي أو تصوم أثناء وجود دم الحيض والنفاس ومن فعلت ذلك فعليها التوبة والاستغفار والندم على ما فعلت ، وعليها قضاء الأيام التي صامتها أثناء دم الحيض أو النفاس .
والإنسان لا يُعذر بالجهل بالحكم في مثل هذه المسائل ، لأنه يجب عليه بالضرورة أن يتعلمها حتى يسلم له دينه ويكون موافقاً للكتاب والسنة .
وهناك بعض الأحكام الخاصة بدم الحيض والنفاس والاستحاضة أعرضها سريعاً ، لما لها من فائدة مرجوة الثمرة عند الله تعالى فمن تلك الأحكام :
أولاً : دم الحيض :
إذا طهرت الحائض قبل طلوع الفجر بيقين صادق فصومها صحيح ، وعليها أن تغتسل ولا تؤخر الغسل حتى تطلع الشمس ، بل تبادر بالغسل متى تأكدت وتيقنت من الطهر حتى لا يخرج عليها وقت صلاة الصبح . ولو أخرت الغسل بعد طلوع الفجر زيادة في اليقين فلا بأس بذلك ، لكن لا يكون التأخير حتى تطلع الشمس . وكذا الجنب عليه أن يبادر بالاغتسال قبل طلوع الشمس ولا بأس بالتأخير قبل طلوع الفجر وبعده لحديث عائشة رضي الله عنها قالت : " كان النبي صلى الله عليه وسلم يدركه الفجر في رمضان من غير حُلمُ ، فيغتسل ويصوم " [ رواه البخاري ومسلم ] .
وإذا حاضت المرأة بعد غروب الشمس المتيقن فلا قضاء عليها ذلك اليوم ، لأنه صيام صحيح لا شُبهة فيه ، ولو كان خروج الدم قبل الصلاة ـ صلاة المغرب ـ فالصوم صحيح لأنه العبرة بغروب الشمس ، ولا عبرة أيضاً بما تشعر به المرأة من آثار ودلائل وبوادر الحيض من وجع وألم فلو أحست بأعراض الحيض قبل الغروب ولم يخرج منها دم فصومها صحيح .
ومن طهرت أثناء النهار فعليها قضاء ذلك اليوم ، وليس لها أن تمسك ، بل لها أن تفطر سائر اليوم الذي طهرت فيه ، لأن النهار في حقها غير محترم ، ويجوز لها الفطر في أول النهار وفي آخره ، ومجرد الإمساك لا فائدة منه ولا دليل عليه ، ولان الفطر حصل لها بعذر شرعي ومعلوم أن الله تعالى بحكمته البالغة ورحمته لم يوجب على عباده صيام نصف يوم ، قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : " من أكل أول النهار فليأكل آخره " [ أخرجه البيهقي ] .
أما من قال : إذا طهرت الحائض أو النفساء أثناء النهار فعليها مع القضاء أن تمسك ذلك اليوم فهذا القول مرجوح ، وحجتهم في ذلك ، احترام الزمن ، وهذا غير مسلم به ، لأن حرمة الزمن زالت بالإفطار من أول النهار .
ثانياً : دم الاستحاضة :
قد يخرج من المرأة بعض المواد السائلة أو الدم المنفصل عن الدورة الشهرية ، وهذا ما يسمى بدم الاستحاضة ، وأما المواد الأخرى فهي شبيهة بالبول ، فيجب الوضوء منها ولا تمنع الصلاة ولا الصيام ، أما دم الاستحاضة فحكم المرأة فيه كحكم الطاهرات مثل التي قبلها ، فهي أيضاً تصلى وتصوم وعليها أن تتحفظ من الدم بشيء يمنع سقوط الدم على الأرض أو الملابس وعليهما ـ المستحاضة ومن ترى المواد السائلة ـ الوضوء لكل وقت صلاة إذا كان الدم والمادة السائلة متصلة الخروج دون انقطاع لأنهما في حكم صاحب الحدث الدائم . وعموماً فالاستحاضة لا تؤثر على صحة الصوم .
ثالثاً : دم النفاس :
أقل النفاس يوم وليلة ، وأكثره أربعون يوماً ، فإذا طهرت النفساء قبل الأربعين وجب عليها الصوم والصلاة والاغتسال قبل ذلك ، فإن عاد عليها الدم في الأربعين فهو دم نفاس ، فتمتنع عن الصلاة وعن الصيام ، فإذا انتهت الأربعين وبقي معها الدم ، فإما أن يكون هذا الدم موافق لأيام حيضها فيعتبر حيضاً ، وإلا فهو دم فساد وهو ما يسمى بالاستحاضة ومتى طهرت النفساء أثناء الأربعين ، اغتسلت وصلت وصامت وصح منها ذلك ، ومتى عاد عليها الدم توقفت عن الصلاة والصيام ، ولا تقضي الأيام التي صامتها أثناء طهارتها وقت الأربعين ويحرم على زوجها وطؤها أثناء وجود دم الحيض والنفاس . وإذا طهرت النفساء أثناء الأربعين واغتسلت جاز لزوجها جماعها ومن كره ذلك فلا دليل لديه ، وإنما هي كراهة تنزيه .
حبوب منع خروج دم الحيض والنفاس :
هذه الحبوب سببت للنساء أمراضاً ظاهرية وباطنية ، وسببت لهن عدم انتظام في دم الحيض ، مما تسبب معه كثرة الأسئلة والاستفسارات حول هذه المواضيع المهمة والتي تتعلق بأداء الصلاة والصيام ، وكما بين كثير من الأطباء ضررها على المرأة ، وكما هو معلوم أن دم الحيض دم جبلة خلقه الله تعالى لتغذية الطفل ، وهذا أمر قد كتبه الله تعالى على بنات آدم لما فيه من مصلحة لهن ، فعلى المسلمة أن تذعن وتستسلم لأمر ربها سبحانه ولا ترهق نفسها وتوردها المهالك من أجل أن تصوم مع الناس فمتى وجد الدم تركت الصلاة والصيام ، وقضت الصيام دون الصلاة ، ومتى انقطع الدم اغتسلت وأصبحت طاهرة تصوم وتصلى وتحل لزوجها .
المقصود . . . أن من تُسبب لها تلك الحبوب ضرراً ، فلا ينبغي لها أن تستخدمها أبداً ، ومن لم تتضرر بها فلا بأس باستخدامها . والله أعلم .