هذه القصة كتبتها في ليلة ظلماء على ضوء شمعة
كرامة شمعة
كان في قديم الزمان شيء اسمه شمعة لها قصة عجيبة.
فقد كانت لها مكانة عظيمة. عند حلول الليل يتهافت عليها الناس وتوضع في كل شارع وحارة وتضيء كل بيت. وكان عندما يهبط الظلام ينادي الناس أين الشمعة! أين ذهبت؟! ليس لهم حياة بدونها فهي البصر في الليل توضع في مكان عال تعلو الرؤوس فتشعل المكان ضوءا ويتجمع حولها أهل البيت. الأم تنادي أبنها لا تلمسها ابتعد عنها حتى لا تغضب الشمعة وتنطفئ. وهذا طفل أخر يداعبها بإصبعه و الكل يجري من حولها ولا يتحرك أحد إلا وهي معه. وكانت الشمعة في قمة فرحتها، فالكل يتهافت عليها. أحمد ينادي دعوني أمسكها، والأب يرد "لا أنت ما زلت صغيرا ضعها فوق هناك في مكان عال" كأنها ملكة متوجة. واليوم التالي في كل مساء يأتوا بها وهكذا تمر الأيام والشمعة فرحة بمكانتها العالية.
لكن ذات مساء أخذوا الشمعة ووضعوها في مكانها المعتاد وأغلقوا عليها الباب، وجاء اليوم التالي لكن لم يقترب أحد من الشمعة وظلت تنتظر وتنتظر وتنتظر لكن أحدا لم يقترب. "ماذا حدث؟!! هل سافر أهل البيت؟" الشمعة تحدث نفسها. لكنها تسمع أصواتهم بالخارج. الشمعة محتارة، لماذا لم يخرجوها مثل كل ليلة؟1
أخذت تحاول استراق السمع فهي تعلم أن لا حياة لأهل البيت بدونها فماذا حدث؟!
ومرت الأيام أكثر وأكثر وطال الانتظار ولم تمتد يد لتأخذ الشمعة، وكلما سمعت صوت أحدهم يقترب من باب درجها فرحت ظنا منها أنه أتى إليها لكنه سرعان ما يذوب الأمل ويبتعد الصوت.
مرت سنين طوال. وذات يوم سمعت صوت ضجيج بالخارج وسمعت أحدهم يذكرها وينادي أين الشمعة؟ الأب يقول أبحثوا عنها أو هناك، الأم تبحث والأولاد يبحثون الكل يجري هنا وهناك. والشمعة يكاد يخرج صوتها ويقول أنا هنا أنا هنا........ لكن لم يسمعها أحد. وكاد يتلاشى الأمل مرة أخرى. فجأة امتدت يد صغيرة وحركت قلب الشمعة معها وتسلل ضوء ضعيف للداخل وأمسكت اليد بالشمعة وصرخت الطفلة بفرح وجدتها وجدتها. وتعالى صوت صراخ وفرح في المكان أين الكبريت؟ أسرعوا به أسرعوا به.
وأضأت الشمعة المكان حولها وحاولت أن تنظر لتكتشف المكان. لكنها صدمت فقد تغيرت الملامح كثيرا حتى جدران المنزل لم تعد كما ألفتها فقد تقادمت. ورأت وجوه غريبة لم ترها من قبل وتسألت أين أنا؟ كأني بنفس المنزل لكن المكان قد تغير كثيرا. ثم سمعت صوت رجل عجوز فتأملت ملامحه ليست غريبة كأنه رب المنزل لكن ماذا حدث له كأنه مر عليه دهر. فانتبهت الشمعة لما حدث لها وأدركت أنها ظلت حبيسة درجها سنوات طوال وسألت نفسها هل صرت مثل أصحاب الكهف؟ وسمعت صوت امرأة عجوز تنادي على حفيدها فقد عرفتها فهي زوجة صاحب المنزل قد تقدم بها العمر كثيرا لكنها ما زالت لها نفس الخصلة التي بشعرها ونفس الابتسامة رغم أنها باهتة شيء ما. أثاث المنزل بعضه تغير والبعض الأخر تهالك. ماذا حدث؟ كيف مرت الأيام وكيف كانوا يقضون الليل بدونها؟! لم تجد إجابة لكل هذه التساؤلات. لا يهم مادامت انتهت أيام النوم والكسل وعادت أيام الفرح. فقد عاد الكل يلتف حولها مرة أخرى. طفل يداعبها بأصبعه وأخر يمد يده ليحس دفئها، وهي تتراقص وتتمايل فرحا. والأم تصرخ على أولادها ابتعدوا عنها ابتعدوا عنها. والشمعة فرحة بعودتها إلى مكانتها القديمة. تنظر إليهم بكبرياء ولسان حالها يقول ها قد عدت مرة أخرى.
وقطع عليها فرحتها أن رأت ضوء غريب شديد ملء المكان فجأة ثم تلاه صوت صراخ وفرح عال من أهل البيت. تعجبت الشمعة ولم تدرك ما حدث هل أتى الصبح فجأة وانتهى الليل هكذا؟!!! وانصرفوا عنها وتركوها وحيدة وظلت الدهشة على وجه الشمعة لا تدري ماذا تفعل. ما هذا الضوء الجديد؟ لما فرح أهل البيت به هكذا؟ وبعد لحظات أدركت الحقيقة فقد أدركت أنه لم يعد لها مكان بهذا البيت وعرفت سر السنوات التي قضتها وحيدة حبيسة درجها. فهي لن تقبل بأن تكون بديلا عن أي شيء. إنها ليست كما يظنون فهي لها كرامة مثلهم ولا يمكن أن تقبل بأن توضع مرة أخرى حبيسة الدرج أو القبر المؤقت. لا لن تعود مرة أخرى إليه. هكذا قررت الشمعة. وسمعت صوت الجد ينادي أطفئوا الشمعة وأعيدوها إلى مكانها. وأسرعت الشمعة في تنفيذ قرارها فأخذت تحرق نفسها بسرعة والدموع تنهمر منها وهي تتأمل جدران المنزل وتستعيد ذكريات تلك الأيام التي قضتها مع أهل هذا البيت بكرامة وشموخ. لم يبقى منها إلا بصيص ضوء ضعيف فأطلقت آهة عالية لم يسمعها أحد سواها ونظرت للمكان الذي عاشت فيه بكبرياء وتأبى أن تعيش فيه بذل. وهكذا تلاشت الشمعة. وأستغرب أهل البيت للحظات كيف تلاشت الشمعة بهذه السرعة!! فل يدركوا حقيقة ما حدث. وهكذا تلاشت الشمعة فهل أحس بغيابها أحد؟ هل أهتم لفقدها أحد؟ فقد كانت ذات يوم ملكة متوجة. لكن الحال تغير فأبت إلا الموت على الحياة بذلة؟ وكان أخر ما نطقت به:
الموت بكرامة حياة .......... والعيش بذلة موت مؤجل